22 يوليو 2011

سـر خـُلق لثلاثة فقط،،!

..........

أشكرك سيدي؛ لأنك استجبت لطلبي، فهذا السطر أرهقني كثيراً بكتابته!!، وأرجوك استمر بوضع الورقة أمام المرآة لتتمكن من قرائتها بشكل صحيح!، فالأمر بالغ الأهمية؛ ولتتأكد من أهميته فأنا يا سيدي الشبح الجائع... نعم أنا هو وإن لم تصدقني فأنظر لوجبة غدائك التي وضعها مساعدك بجور تلك المرآة؛ ستجدها اختفت لأني أكلتها!!،.... حسناً بعدما تأكدت من اختفائها مؤكد صدقتني، أولاً لا تخف مني أو تقلق؛ فأنا غير مخيفة بالمرة، ثانياً اخفض صوتك وأنت تقرأ هذا الخطاب، فلو سمع بمحتواه غيرك، ستكون نهايتك!

قصتي بل بالأحرى مأساتي طويلة جداً، ولكني سأختزلها قدر المستطاع!، أنا يا سيدي ذاك الشبح الجائع الذي تصدر عناوين كبرى الصحف والمجلات، وأصبح الشغل الشاغل للمدينة منذ عدة سنوات!، ولكني بالحقيقة فتاة عمرها لم يتجاوز بعد التاسعة والعشرين عاماً، من بني جنسك؛ إنسانة عادية لا تخيف بل تثير الشفقة حقاً!؛ أبنة أسرة عريقة وثرية جداً، فقبل ولادتي عانت أمي من فقدان أبنائها وهم رضع، حتى إنها فقدت ثمانية رضيع خلال خمسة عشر عاماً، لم تترك باباً إلا وطرقته، حتى أبواب العرافات والمشعوذين، ففي يوم سافرت السودان لتقابل عرافة هناك سمعت بكفائتها، قالت تلك الدجالة لأمي؛ إنها ستلد بنت بعد تسعة شهور من الآن، وستكون جميلة جداً بيضاء ذات عيون زرقاء، وستموت عندما تتم عامها الثاني عشر أو ربما الحادي والعشرين لا تعرف تحديداً، ولكن الذي تعرفه جيداً أن سبب موتها هو سقوط جسم صلب على رأسها، وستدفن ثلاث مرات، أخرهم داخل صورة!!، وقالت لها أيضاً أن أبي سيموت خلال خمسة أعوام من يومهم ذاك!

لم تعيرها أمي أي اهتمام، ولكنها حملت بي خلال شهرين، وولدتني بشهرها السابع!، هنا عبث بقلب أمي الشك، ولكنني لم أكن بيضاء ذات عيون زرقاء فتأكدت أن كلام العرافة ما هو إلا صدفة، وعندما مات أبي بعد ولادتي بأربعة أعوام وثلاثة شهور، لطم الخوف قلبها، وجعلها تحافظ عليَّ بشكل مبالغ فيه، وتخنق حريتي وإنطلاقي، ومع ذلك كنت أشعر بحبها الفياض لي، حتى أتميت عامي الثاني عشر، عزلتني عن العالم الخارجي تماماً، حتى المدرسة منعتني منها، وعندما سألتها عن سبب كل هذا؛ قالت إنها تحميني من الموت!!، واضح أن حبها الجياش لي وطوفان خوفها من فقداني خيل لها أنها تستطيع التصدي لإرادة الله إن أراد موتي!!، المهم يا سيدي مر ذاك العام التعس بسلام ولم أمت!، ورجعت أشتم ريح الحياة على استحياء، وظل حب أمي يخنقني بتؤدة!

حتى جاء عامي الحادي والعشرين، عادت أمي لنفس الفعلة، وعزلتني تماماً عن العالم، لا أخرج ولا أتحرك إلا للضرورة القصوى!، وضقت ذرعاً وأنا أشرح لها أن لو قـُدر لي الموت بالطريقة التي قالت عنها العرافة، قد أموت بالمنزل دون خروج؛ بسقوط حائط الغرفة مثلا على رأسي!، ولكن كل كلامي صُدم بحائط أصم دون فائدة!!، كم هو مؤلم شعور السجناء بلا جريمة!،.... لم يكن لدي إلا شرفتي الصغيرة هي منفذي الوحيد على الحياة، كانت تطل على إحدى الشوارع الجانبية، وكان يجلس بها دائماً متسول بجواره عشرات القطط، يتقاسم معهم ما جاد به سكان الحي عليه من طعام!، هيئته غريبة وجلسته تثير الدهشة!، وكان بصحبته قطة فاتنة الجمال؛ بيضاء كالثلج وعيونها بزرقة السماء!، كنت أنظر لها كثيراً وتبادلني النظرات، فكم من ساعات أقضيها بتلك الفجوة بجدار المعتقل!

في أحد الأيام تجرأت القطة وقفزت داخل سور منزلنا، ثم وثبت عاليا حتى وصلت لشرفتي، أقشعر بدني وقتها ولا أعرف السبب!، ابتسمت لها وأمسكت بها وحملتها، ولكن... رغم إنها كثيفة الشعر إلا أن ملمسها كان بشرياً يا سيدي!، وقتها كان يمكنك أن ترقص التانجو على نبض قلبي العالي!، ولكن الرجل المتسول همس لي رغم أنه بعيداً جداً عني وقد لمس جسدي قائلاً: "لا تخافي... هي فقط تريد اللعب معك!"؛ رميت القطة من يدي فألتقطها!!!، وددت لو أنفجرت صراخاً ولكن صوتي لم يخرج، فهرعت للداخل مغلقة الشرفة!، ولا أدري لمَّ لمْ أخبر أمي بما حدث؟!، لا.. أنا أدري يا سيدي جيداً، لقد خفت على منفذ الحياة الوحيد، خشيت لو صارحتها أن تغلق شرفتي فتقطع أخر خيوط الحرية!... مرت الأيام وسط اهتمام أمي القاتل، وبغضي لسجني اللعين، وأنا أقوام فتح الشرفة، فلا شيء غيرها أمامي، فتحتها وقررت اللعب!، وبمجرد أن فُتحت قفزت القطة بداخلها بلمح البصر، وكأنها تنتظر تلك اللحظة!

سمعت الرجل يهمس لي ثانية، ولكن تلك المرة أنصت له طوعاً كان يقول: "إن قبلتي اللعب معها، فعليكِ أن تقسمي بآلا تفشي هذا السر لأحد، فلقد خلق ليكون بين ثلاثة فقط!"، أقسمت له فهزت القطة ذيلها فرحاً، وبدأ اللعب فعلاً.. أخرج من جعبته صندوقاً كبيراً ووضعه أمامي بشرفتي وهو بمكانه هنــاك.. وأسهب قائلا: "هذا صندوق الحياة، صندوق الحرية التي حرمتي منها طيلة عمرك، كل ما عليكِ فعله هو رفعه واسقاطه على القطة، وقتها ستنعمي بما حلمتي به طوال حياتك!"، لم أتردد... حتى أني لم أفكر من الأساس، فبين سجن أمي اللعين وحلم الحرية المنتظر لا مكان إلا للتنفيذ فقط!،، أمسكت الصندوق واسقطته عليها، وحدث ما لم أتوقعه أبداً!؛ وجدت نفسي أمامي واقفة، وأمسكتني وحملتني، نعم حملت نفسي ووضعتني على سريري أمام مرآتي!!، وقلت لي: "أنظري بالمرآة!"... وقتها وجدت القطة هي من تتحدث!، لم أفهم شيئاً على الإطلاق وكنت جدا خائفة ومتوترة، مدت يدها وداعبت أسفل ذقني بأطراف أناملها، وقالت بصوتي: "كفي عن هز ذيلك بهذا التوتر!!"... كدت أن أجن القطة تقول لي ذيلك؟؟!!، ولكنها أكملت قائلة: "أنتِ الان القطة الحرة طليقة الحركة!، هيا أخرجي، أمرحي، أذهبي، وأرجعي وأنا هنا أنتِ حتى تعودين!!.. وعندما تأتي كل ما عليكِ هو اسقاط الصندوق عليَّ فسيعود كل شيء لطبيعته!، وحدها المرآة هي من تكشف سرنا لمن يعرفه، لذا حافظي عليه بصدرك فلقد خلق ليكون بين ثلاثة فقط!"، فهززت ذيلي فرحاً وأنطلقت!.

عشت يا سيدي الحرية الحقيقية، بعيداً عن أعين أمي، أخرج.. آتي.. أذهب.. أمرح وأجري، أعبث بين السيارات المسرعة، أصعد الأشجار العالية، طيلة عمري أخشى الفئران وأخافهم، وجدتهم يرتعدون خوفاً عند رؤيتي، كل تحركاتي بكامل إرادتي وحدي ولم يزعجني كوني قطة أبداً، فكل ما حلمت به هو الحياة والحرية حتى لو بذيل!، ومرت عدة أشهر هي السعادة بعينها حتى جاء يوم أسود؛ عدت للمنزل متأخرة وأمسكت الصندوق لاسقطه على القطة بجسدي لأتحرر من جسدها، ففتحت أمي الباب فجأة وصعقها ما شهدت!!، قطة تحمل صندوق كبير وتريد قتل وحيدتها التي تحبسها حتى لا تموت!، لم يكن منها إلا أن سحبت ذاك الكرسي وضربتني على رأسي، لا على رأس القطة!!، صرخت كثيراً: "لا يا أمي كفي فهذه أنا!".. ولكنها لم تفهم هذا المواء!، شعرت وقتها بألم بالغ القسوة بجسدي، ولكن روحي لم تتألم!، شعور لن تستطيع فهمه إلا إن شعرت به فعلاً!، ماتت القطة بجسدي فمات، وفرت روحي لجسد القطة فأحيته من جديد!!... وعندها اصبحت روحي حبيسة القطة!، ففرت هاربة من أمي خوفاً لتقتلني ثانية!، أصابها انيهاراً عصبياً وهي تقسم إنها لم تقتلني بل قتلت القطة، ودخلت مصحة نفسية، وأخذوا جثتي للتشريح؛ فأقر الطب الشرعي أن الوفاة طبيعية ولا يوجد أي أصابات!!، ودفنت بقبري وأني حية!!.

ساعدني الرجل حيث بعث رسائل لأمي بأحلامها من داخل جعبته كي تفهم ما حدث، وتعرف الحقيقية بعدما أذن لها بأن تكون ثالث سرنا!، وعندما خرجت من المصحة عانيت لكي اجتمع بها وبوجود مرآة بنفس الوقت، كي ترى صورتي وتسمع صوتي الحقيقي بها!، وبالفعل علمت وتأقلمت ولم تسطيع انقاذي فالسر خلق ليكون بين ثلاثة فقط!، وعشت أربعة أعوام قطة أمي المدللة بعدما كنت أبنتها، تحملني على يدها بخروجها، وكي أتمكن من الأكل كالبشر، تأتي بالطعام وتضعه أمام المرآة وتضعني أمامها!!، حتى جاء يوم أصاب جسدي التنميل، ولم أقوى حتى على هز ذيلي، عفواً على هز ذيلها!، فهرعت بي أمي لطبيب بيطري وقال لها؛ أن قطتها قد أتمت عامها الثاني عشر، وهو أقصى عمر قد يصل له هذا النوع، وما يحدث لها طبيعياً بهذه الفترة، وموتها متوقع بأي وقت، صدمتها كلماته،..... فذهبت للرجل كي يساعدها، ولكنه أبى أن يرد عليها من الأساس، فهي من قتلت صديقته، وبسببها فشلت لعبتنا للأبد!، كدت أن أجن وأنا بالمرآة، ماذا لو مات هذا الجسد؟!، هو لن يعيش أكثر من هذا هو أصلا لم يخلق ليعيش أطول من هذا!!، هل سأظل روحاً بلا جسد؟!، ولم يمر سوى يومان ومات الجسد، وتحررت روحي منه، ودفنت لثاني مرة كقطة!، وأصبحت انعكاس صورة يا سيدي، تجدني بأي سطح عاكس، بمرآة، بلوح زجاجي له خلفية داكنة، حتى على سطح المياه تجدني!، لا أجد نفسي إلا إن وجدت ما يعكسها، لم تتحمل أمي هذا الوضع كثيرا وماتت خلال أسابيع!.

وأصبحت حياتي مأســاة، أنا روح بلا مال، بلا أهل، بلا بيت، حتى بلا جسد وهوية؛ فأنا ميتة بنظر الجميع منذ سنوات!، ومن وقتها يا سيدي ظهرت أسطورة الشبح الجائع ، فأنا لا أستطيع الأكل إلا عندما يكون الطعام أمام مرآة، وهذا متوفر فقط بالمطاعم، لهذا تخيل الناس اختفاء الوجبات من أمامهم بسبب جني أو كائن من جنس آخر!، والمفارقة أني أخاف جداً من الأشباح والظلام!، فلا أتمكن من النوم إلا بمكان بها إضاءة عالية،!،، هي مأساة لن تشعر بها أو حتى تتخيلها إلا إن عشتها حقاً، فأنا إن أردت لمس يدي اليمنى، لمست اليسرى كي أشعر باليمنى!!

أعلم إنك تتسأل الآن، لما اخترتك تحديداً؟!، وأنا لا أدري صدقـاً.. فمنذ عودتك يا سيدي لأرض الوطن، وأنا أبحث جاهدة عن طريقة لأرسل لك حكايتي، فقد تجد لي حلاً، وكانت معاناة شديدة كي أبعث لك رسالتي، فلأكثر من سبعة شهور وأنا أبحث عن صدفة قدرية؛ تجمع بين قلم وأوراق ومرآة، وجثة بمكان واحد كي أسكنها فتعكس صورتي على المرآة، فأتمكن من استعمال الأدوات وأرسل لك الخطاب!!

سيدي، أنت الآن تعرف سري كله، وإن نظرت بأي مرآة ستجدني، لا لا... أنتظر ولا تنظر مهلاً من فضلك!، يجب أن تعي جداً أن هذا السر خلق ليكون بين ثلاثة فقط!، كنت أنا والرجل والقطة، ثم أنا والرجل وأمي، والآن أنا والرجل وأنت، وإن عرف أحدهم منك أي شيء، سيكون السر بيني وبين الرجل، وبين من عرفه منك!!، أعتقد أن كلامي واضح جداً، الآن أنظر بتلك المرآة الكبيرة على جدار مكتبك، ستجدني أمامك!..... ما بك..؟!!، لا تحملق بي هكذا، فأنا خجولة!، وهيا أخبرني ألديك علاجاً لي؟!

-تمـــت-

22-7-2011


هناك 16 تعليقًا:

  1. إيه يا بنتى الجمال ده
    خيال عالى أوى وسرد رائع

    ردحذف
  2. كارثة

    إيه الوهم ده

    تحفة بجد بسم الله ما شاء الله

    ردحذف
  3. ياااااااااااااااااااااه

    انا مظبهل

    بجد

    مبدعة جداجداً

    أصل هقول ايه غير كده (:

    ردحذف
  4. أنت عبقرية صح ؟؟
    أصل ده التفسير الوحيد للقصة دى بجد !!
    انا مذهولة .. ما شاء الله عليكى مبدعة !!!

    ردحذف
  5. انتى معانا على نفس الكوكب متأكده ؟؟؟؟

    معنديش اى شىء اقوله

    (وش مذبهل ومنبهر ومتنح ) xD

    تحياتى

    ردحذف
  6. إنت اللي كاتبها؟ اصلها والله ولا الادب العالمي....جميلة جدا ...

    ردحذف
  7. جميله جدا ......... ابداع رائع
    ربى يسعدك

    ردحذف
  8. موناليزا

    ميرسي يا موني كلك ذوقك
    دي أقل حاجة عندي :)))

    ردحذف
  9. FAW

    ربنا يخليك،، كتير والله
    حلوة كلمة كارثة،، ^_^
    نورت البوست

    ردحذف
  10. Ramy

    ههههههههههههههه
    يا أظبهالك يا رامي :))
    جميل إنها عجبتك
    وبالنسبة لمبدعة،،
    ده شيء مفروغ منه أصلا ^_^

    ردحذف
  11. Radwa Ashraf

    أيوة طبعا،، بالذمة ده سؤال
    ده أنا العبرقية ذات نفساويتها :))
    ميرسي يا رودي والله ده من ذوقك
    نورتي يا قمر ^_^

    ردحذف
  12. iـــــــــــsــــــــــlــــــــــــaـــــــــm

    أنا هاقولك ســر،، خطيـــر
    أنا أصلا من المريخ،، ونازلة الأرض أعمل أبحاث
    ههههههههههههههههههه
    ميرسي يا اسلام :)
    نورت بجد
    ^_*

    ردحذف
  13. Tarkieb

    لا أنا اللي مألفاها ،، تمشي :)
    ميرسي على ذوقك،، ومبسوطة جدا انها عجبتك
    البلوج والبوست نوروا ^_*

    ردحذف
  14. ابراهيم رزق

    طب ده يعني حلو ولا وحش؟
    ههههههههههههه،، مش فاهمة بجد :\
    وتحياتي واحترامي كمان

    ردحذف
  15. mrmr

    آميـــن يا رب
    ويسعدك ويفرح قلبك ^_^

    ردحذف

خلل براحتك من غير انتظار .. فتافيت أصلاً بتحب الخيار