27 أبريل 2016

أربعة مشاهد من يوم 25 إبريل!




لقد تابعت ما حدث طيلة نهار ٢٥ إبريل ٢٠١٦م عن كثب.. وتعمدت كتابة التاريخ كاملا؛ لأني على يقين أن هذا اليوم لن يمر المؤرخون عليه مرور الكرام، فلن أتحدث عن دعوات لتظاهر أو تسخين من خلف شاشات الكمبيوتر وعلى أرض الواقع صفر، بل أني لن أتحدث حتى عن قضية جزر أو مظاهر احتفال.. فقط سأضع خطا أحمر تحت أربعة مشاهد وقعوا بهذا اليوم يجعلوا أي عاقل يرتعد لما وصلت إليه التركيبة النفسية للشعب المصري.
(المشهد الأول)
كان لعلم السعودية في أيدي البسطاء من أبناء الشعب، يرفرف على أرض مصر بذكرى تحرير سيناء والأغرب أن هذا يحدث بمباركة النخبة!! ما هذا العبث والعار الذي حل علينا بقدرة قادر على مرأى ومسمع من العالم أجمع؟! مناسبة وطنية خاصة بمصر يُرفع خلال الاحتفال بها علم لدولة أخرى.. لماذا وبأي منطق أو مبرر؟! وبنظرة تأملية للأيام الماضية تجد أن تلك النخبة كانت تنعق وتنوح من أجل منع النقاب بمصر؛ لأنه عادة بدوية وليدة الخليج، ومن إفرازات الوهابية على حد زعمهم، واليوم فجأة يباركون رفع علم السعودية مهد الوهابية أيضًا على حد قولهم؟!
ثم أني لا أعرف منذ متى تخرج العامة للاحتفال بتحرير سيناء المحررة منذ عشرات الأعوام؟! فنحن لم نعتاد هذا أصلا وأغلب المصريون لو لم يكن اليوم أجارة لن يتذكروه من الأساس.. ثم أن هذه المرة تحديداً نقصت سيناء جزيرتين بعد أن تخلت عنهم أو باعتهم أو أرجعتهم -سمها كما يلائمك- الحكومة المصرية للسعودية! أتحتفلون نيابة عن السعوديين مثلا؟ أم أنكم سعداء لنقص سيناء هذا العام تحديدًا عن كل عام؟! ثم ألم نكن منذ ثلاثة أعوام فقط نصف من يرفع علم السعودية بأي مظاهرة بأنه أرهابي!! ألم يلعن الشعب كله  كل من رفع هذا العلم في جمعة قندهار؟! هذا العبث ذكرني بالقول المأثور من فيلم ظرف طارق (واحد مصري بيتفرج على ماتش مصر ونيجريا هيشجع إيه يعني؟! أكيد نيجريا).
(المشهد الثاني)
 كان لمواطن قرر أن يسجد سجدة شكر مطولة أثناء الاحتفال ولا أعلم سببا واضحا ليسجد أصلا؟! المهم أن الناس ألتفت حوله وهم يرقصون ويصفقون، في مشهد عبثي قميء يشعل ذاكرتك فورا ولا إراديا بفيلم "فجر الإسلام" عندما جلس واحد من أتباع سيدنا (محمد صلى الله عليه وسلم) يقرأ قرآنا كريما ويلتف من حوله الكافرون يصفقون ويغنون (نحن غرابا عك عك، عكوا إليك عانية، عبادك اليمانية، كيما نحج الثانية، لبيك اللهم هبل، لبيك يحدونا الأمل، الحمد لك، والشكر لك، والكل لك، يخضع لك، لبيك اللهم هبل!!)
ولم يتوقف العبث عند هذا الحد بل قرر واحد ممن يصفقون أن يشاركه السجود لله، وبدلا من أن يسجد بين يدي الله خاشعا ظل يرقص بمؤخرته رقصة بطوط لا وإيه وهو ساجد!! هل تخيلت المنظر؟! وبوصف أكثر دقة وإشمئزازا لما حدث كان كأنه سليف يتعمد إهانة ذاته بحضرة المسترس!!
ثم فجأة يقرر المواطن الأول أن ينهي سجدته المطولة، ويستقيم جالسًا على ركبتيه بوضع الدعاء ويرفع يديه تضرعا لله وسط الغناء والرقص والتصفيق، ويبدوا أن إيقاع الموسيقى كان أشد من إيقاع خشوعه فقرر ألا يدعو الله، فبدأ بوصلة رقص وهو على نفس وضع الخشوع ويده المتجهة تضرعا للسماء راح يلوحها يمينا ويسارا طربا!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، صحيح شعب متدين بطبعه!
(المشهد الثالث)   
كان لسيدة خمسينية، تضع حذاء عسكري (بيادة) على رأسها وتجلس وسط أعلام السعودية المرفرفة على أرض مصر!، لقد توقفت أمام هذا المشهد لوقت طويل.. طبعا مفهوم أنها تضع ذاك الحذاء إجلالا للجيش المصري وأفراده على طريقتها وإن كانت مرفوضة فهي حرة، وكلمة حق الكل أيضا يحترم ويجل كل فرد بالجيش المصري، بل ونقدس كل قطرة دماء نزلت على أرض سيناء لتحررها، وكان من الممكن لهذا المشهد أن يكون مقبولا على مضض بهذا المناسبة وعيد التحرير.. لولا علم السعودية الذي احتل الكادر، أي عبث هذا الذي أراه أترفع هذه السيدة حذاء الجندي على رأسها.. لتدوس دماءه بحذائها؟! يا مثبت العقل يا رب!
(المشهد الرابع)
كان لمظاهرة تهتف بإحدى شوارع الدقي تقريبا، ويبدوا أن الهتاف لم يعجب سيدة محجبة يظهر عليها الاحترام كانت تقود سيارتها، فقررت أن تسكت الهتاف وتعاقب المتظاهرين بطريقتها، فداست بنزينا ودخلت بسرعة بين الجموع في مشهد كارثي تجتمع فيه السادية واللإنسانية والإجرام معا!
المهم أنها لم تستطع التحرك لمسافة طويلة وسط الزحام والصراخ، فقرر المتظاهرون حماية السيدة -آه والله يا شيخ تصدق؟- وتطويق سيارتها حتى لا يطولها الأذى من الغاضبين جراء فعلتها، وطبعا أقشعر جسد السيدة المحترمة لهذا الفعل النبيل، وردت الجميل بأن داست بنزينا مرة ثانية وتحركت بسرعة كبيرة لتسحل تحت إطاراتها بعضا مما كانوا يحموها!!
حقيقة أنا لا أعرف ما الذي أصاب الشعب المصري لتتشوه تركيبته النفسية بهذا الشكل المخيف الذي يسمح لسيدة -وأشدد على كونها سيدة من الجنس الناعم- أن تقرر فعص أروحا تحت إطارات سيارتها بدم بارد، ودون أن يطرف لها رمش؟!! كيف فعلت هذا ومن أين أتت بتلك الجرأة؟! أهي حقا لا تدرك كم الإجرام واللإنسانية بفعلتها؟! أم أنها مقتنعة أن تلك الأرواح لم يعد لها ثمن على أرض مصر لتخف من سداده؟! أم تخيلت أنها بقتل الأنفس تكرس مبادئها وتعليها تماما كما يفعل الإرهابيون بأبناء الوطن؟!! حزينة علينا والنبي.

لقد تشوهت فطرة الشعب للأسف، وأختلت كل القيم سواء الدينية أو الوطنية أو الإنسانية داخله، بل وأصبحت الازدواجية من سماته الأصيلة، وأعترف أني قد تأكدت من هذا بما لا يدع مجالا للشك، وحيث أني مصرية، وأنتمي بكل ذرة في كياني وكل نقطة في دمي لهذا النسيج.. فمجرد أن  وقع نظري على رابط استماع لألبوم عمرو دياب الجديد، نسيت المشاهد وما بها و٢٥ أبريل وما حل فيه بل حتى نسيت سيناء وتحريرها، وروحت أقضي مساء ذات اليوم نفسه أستمع له بشغف في مشهد حي للازدواجية المصرية الأصيلة.. يلا ربنا يشفي الجميع إن شاء الله.

07 أبريل 2016

مصر وفقرة الساحر

ماذا لو قررت تأريخ ما حدث بمدينة الأسكندرية خلال الأيام القليلة الماضية في قصة بمجموعتي القصصية الجديدة؟!  بمنتهى الصراحة أن لا أملك الشجاعة الكافية لأكتب تلك الأحداث بكتاب يحمل اسمي نظرا لأني لا أحب أن يتهمني القارئ بالسذاجة والخيال الطفولي، وحتما بعدها سأكون مادة خصبة للسب على صفحات السوشيال ميديا بكل أنواعها.

فمثلا، هل يصدق أحد أن يخطف شخص طائرة من مطار برج العرب بالإسكندرية بحزام ناسف غير ناسف.. ويصل إلى ضالته بقبرص، لأنه يريد أن يتحدث مع طليقته! وعلى متن الطائرة المخطوفة يقف كنجم ليلتقط الركاب معه السيلفي وهم في غاية السعادة؟! والكوميديا المفرطة عندما يثور أحد الركاب على طاقم الطائرة لأنه فقد دجاجته البلدي بسبب التفتيش بالمطار وهذا الخاطف قد اجتازه بحزامه الناسف وهو يريد الدجاجة الآن!!

ثم تتوالى الأخبار عن الخاطف، فمرة هو مسجل خطر وبعدها يتم النفي.. وبعدها هو مجرد مزور فقط ويعمل لحسابه الخاص؛ يزور باسبوراته ليستطيع السفر لقبرص ليعرف من طليقته سبب وفاة ابنته.. ثم تنفي طليقته تلك الرواية وتقول أنه من عناصر حركة تحرير فلسطين وقام بقتل عدد من الجنود الإسرائيلية.. فتقوم الدنيا ولا تقعد.. ومازالت الروايات مستمرة..

ولم تهدأ الإسكندرية تلك المدينة الساحرة من خطف الطائرة.. لتشاهد حادثة أكثر طرافة وغرابة؛ حيث اختفى تمثال كاتمة الأسرار للنحات محمود مختار، مساء يوم السبت الماضي، والذي يتواجد بالحي اللاتيني بمنطقة الشلالات بالأزاريطة بوسط الإسكندرية،  حيث فوجئ أهالي المنطقة باختفاء تمثال كاتمة الأسرار!

فجاء رد الحي بخصوص الاختفاء بمنتهى الوضح: "إن بعض المواطنين تقدموا بشكاوى لترميم التمثال بعد تدهور حالته، وكانت هناك خطة لترميمه مع الحديقة المتواجد فيها، ولكننا فوجئنا باختفاء التمثال في المساء دون علم أحد، وجاري التحقيق في الواقعة".

كيف يختفي تمثال بهذا الحجم دون علم أحد؟! ألم نعترض مرارا وتكرارا على الاختفاء القسري؟! لماذا خطفوا التمثال؟! وهل هناك علاقة بين أنها كاتمة أسرار وبين اختفائها؟! تُرى أي معلومات كانت تعرفها ولهذا قرروا التخلص منها؟! ما هذا المرار الطافح سنلاحق على اختفاء المواطنين ولا التماثيل؟!
ثم تنام الإسكندرية؛ لتستيقظ صباح الأحد على ما هو أسوء بكثير، إنقلاب شاحنة مواد بترولية بمنطقة الورديان بالقرب من شركة الكهرباء.. عادي ما أي سيارة يمكن أن تنقلب ويصادف إنقلابها شركة كهرباء لمزيد من (الساسبينس).. واللهم لا اعتراض!

لكن الاعتراض الحقيقي على تجمهر المارة حول البنزين الذي أغرق الشارع الملاصق لشركة الكهرباء؛ في محاولة كوميدية للحصول على حصة مجانية منه؛ والأكثر كوميديا هو الفيديو المتداول على الفيسبوك للسيدة أم مصطفى وهي تناقش مصور الفيديو أثناء مشاهدتهم الحدث من بلكونة منزلها؛ فكل ما كان يشغل بالهم هل هو بنزين ٨٠ أم جاز؟! ثم تحدث المفاجأة المتوقعة.. مشهد مأساوي يشتغل البنزين على الأرض وتنفجر الشاحنة ويحترق أغلب الموجودين.. فيصيح مصور الفيديو بمنتهى السعادة (الله نار يا ماه).. !

ولا أدري لماذا تذكرت وأنا أشاهد الفيديو حادثا كنت شاهدة غير مباشرة عليه.. عندما كانت أزمة البنزين تعتصر مصر قبل الانتخابات الرئاسية السابقة؛ وبإحدى بنزينات المنوفية كان التجمهر والزحام غير محتمل.. وكان أغلب الموجودين يحملون جراكن ليحملوا بداخلها البنزين.. فقرر أحد المتجمهرين حل المشكلة.. بأن يقوم بعمل خدعة ليفك هذا الزحام.

 فكر بطريقة الفهلوة المصرية بأن  يشعل صاروخا صغيرا -ذاك الذي يستخدمه الأطفال في اللعب- ليلقيه بين الناس؛ كانت خطته أن صوت إنفجاره كفيل أن يفزع الناس فتتحرك وينفض الزحام بسهولة ويستطيع أن يملأ جركنه؛ وبالفعل قام بالتنفيذ فورا وما إن أشعله وألقاه حتى حدث الإنفجار.. ولكن لم ينفجر الصاروخ فحسب بل كانت عدة إنفجارات متتالية.. فكانت الجراكن تتطاير للسماء في مشهد كارثي بعد اشتعالها وانفجارها!!

الواقع بالأسكندرية خلال الأيام الماضية كان مضحك حد البكاء؛ وحقيقية إن تم تأريخه سيصنف فانتازيا لا محال.. ولكن كل ما يقلقني ويشغل بالي بمنتهى الجدية الآن؛ ماذا سيحدث لنا  بدخول مصر عصر المفاعلات النووية.. هل فقرة الساحر قادمة؟!




09 مارس 2016

في يوم العالمي للمرأة.. سلامٌ على إليزابيث!

خصصت الأمم المتحدة عام 1977 يوم الثامن من مارس من كل عام؛ عيدا عالميا للمرأة.. والذي تحول مع مرور الأعوام إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.

وبهذه المناسبة قررت نكأ جرحًا لم يندمل بذاكرة العالم؛ جرح ظل ينزف ربع قرن في صمت بقبو تملأه رائحة العفن؛ حتى تم اكتشافه في عام ٢٠٠٨ عندما فجع العالم بمأساة النمساوية "إليزابيث فريتزل"، التي خطفها والدها عام ١٩٨٤، وحبسها بقبو قام بتجهيزه بمنزل الأسرة؛ حتى يتثنى له اغتصابها على مدار ٢٤ عاما لم تر النور فيهم، وأنجب منها سبعة أطفال مات أحدهم وهو رضيع.. فتخلص من جثته بالحرق!

تبدأ المأساة في 28 أغسطس ١٩٨٤ بمدينة آمتتشن النمساوية؛ عندما طلب "جوزيف فريتزل" من ابنته "إليزابيث" ذات الثماني عشر ربيعًا أن تصاحبه للقبو لتساعده، فقام بتخديرها وتقيد أطرافها وحبسها بهذا القبو، الذي قام بتجهيزه بعازل للصوت، ثم أعلن اختفاء ابنته وبحثت الشرطة عنها كثيرا ولم تجدها ثم ظهر خطابا بخط يدها يفيد بأنها تركت البيت لتعمل بمدينة بعيدة عن أسرتها؛ فأغلقت القضية على هذه النهاية.

وخلال تلك السنوات العجاف أنجبت ابنتهُ من اعتداءه المتكرر عليها سبعة أبناء؛ أحدهم مات عندما كان رضيعاً فقام جوزيف بإلقاء جثته بفرن المنزل للتخلص منها، وبالنسبة للأبناء الأخرون فثلاثة منهم كانوا محتجزين مع والدتهم وهم "كريستين وستيفان وفليكس" البالغة أعمارهم -عام ٢٠٠٨- ١٩ و ١٨ و٥ سنوات بالترتيب، أما الثلاثة الآخرين والذين يعيشون مع زوجته أم إليزابيث "روزماري" هم "الكساندر وليزا ومونيكا" وقد قام بتبنيهم رسمياً؛ حيث كان يضع الأبناء وهم رضع أمام باب المنزل ومعهم خطابا بخط يد ابنته بعدما يجبرها على كتابته تخاطب فيه أمها لتطلب منها الاعتناء بصغارها!

وطوال تلك المدة لم يراود الشك الأم؛ فحتى القبو الذي بات منطقة محرمة عليها.. أقنعها الزوج بأنه خصصه ليكون خلوته ومكان راحته الذي لا يحب أن يقترب منه أحد، وأستخدم خبرته ككهربائي؛ فوضع له قفلا إلكترونيا رقمه السري لا يعرفه أحد سواه؛ وفقا لشهود عيان فإن القبو عميق جدا، بإمكانك أن تصرخ بأعلى صوتك هناك ولا أحد يسمعك أبدا.. مخيف؛ تنتشر به رائحة العفن لعزله التام عن أي مصدر تهوية.. تبلغ مساحته حوالي ٦٠ متر مربع.. به غرفة نوم مطبخ وحمام صالح للاستخدام.

وقد اكتشفت تلك المأساة والانتهاكات المخيفة التي لا تَمُت للإنسانية بصِلة؛ بعد أن مرضت الابنة الكبرى "كريستين" في القبو بأوائل عام ٢٠٠٨، وأقنعته الابنة إليزابيث -والدتها- بأخذها إلى المستشفى، أما عن بقية الأبناء فكانوا في حالة صحية جيدة -مما يثير الاستغراب- وقت اكتشاف الجريمة إلا أنهم شديدو الشحوب وقليلو الاستعاب!

وإن كانت تلك المأساة قد تم كشف الحجاب عنها، فمؤكد أن هناك آلاف القصص التي مازالت في طي الكتمان، ففي يوم المرأة العالمي؛ سلامٌ على "إليزابيث فريتزل"، وعلى كل إمرأة أخرى لا نعرفها.. عانت في عالمنا هذا؛ وكانت معاناتها قاسمة للروح بعد أن جاءت ممن كانوا السند والأمان.