26 يوليو 2012

مفارقات قدرية،، بالثورة المصرية!


تعودت مسامعي منذ الصغر على تلك الجملة؛ (حتى وإن ثار أبو الهول لن يثور شعب مصر)، ولكننا ثورنا وثاروا هم بإتجاه المضاد.. خرج المارد في أتجاهين مختلفين؛ لكلاً منهما أهدافه.. ثورة شعب كانت مستحيلة فأصبح ذاك الشعب بين رحايا ثورتين، لا شك إننا أبهرنا العالم كله بثورتنا البيضاء، ثم أبهرنا أنفسنا بالثورة المضادة والإنقسامات... على أي حال مازلت تلك الثورات مستمرة.


وإن أردنا أن نصنف ثورتنا، لن نجد لها تصنيفـًا يلائمها كليـًا، فهي الحزينة الضاحكة، السلمية الدامية، المتوقعة المستحيلة والمرتبة العفوية!!!، إذاً فهي الثورة الطريفة بين ثورات التاريخ أجمع، ولم تكن طرافتها بتصنيفها فقط، بل أيضـًا بكم ما حققته من مفارقات قدرية تستحق الوقف عندها!، ولكن نصيحة؛ لا تكلف نفسك عناء فهم مغزاها، فكلها جاءت وكأنها رسائل أو هدايا من القدر لأناس بعينهم!


  -فإن بدأنا المفارقات بيوم 25 يناير، يوم عيد الشرطة المصرية... تلك التي كانت أحد أهم أسباب الثورة، فمعاملة بعض -أو غالبية- عناصر الأمن للشعب المصري جعلته يكره الداخلية ككل، فتأتي الثورة في نفس اليوم، لتمحي من تاريخ مصر شيئاً ما يدعى عيد الشرطة، وتهز تلك الهيبة المزعومة! فحتى إن لم يُلغى الاحتفال من قبل المسئولين؛ لن يكون له وجود بين احتفالات الثورة المصرية! 


-  يوم 27 يناير، هذا اليوم يوافق عيد ميلاد خالد سعيد شهيد الطوارئ، الذي كان شرارة مبكرة للثورة عندما قـُتل من قبل بعض أفراد أمن الأسكندرية بيوم 6 يونيه 2010م، فعلّم الشباب المصري معنى الوقفات الإحتجاجية السلمية الصامتة، بعد أن قام أحد المصريين بعمل صفحة خاصة له على الفيسبوك، وظل أدمن تلك الصفحة مجهولاً للجميع، حتى يأتي يوم 27 يناير 2011م.. حيث تم القبض على وائل غنيم؛ فعندها فقط يعرف الجميع من هو منشئ صفحة كلنا خالد سعيد، في ذكرى عيد ميلاده! 


-  قامت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على يد رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف، بعد توليه منصب وزيراً للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خـلال الفترة من 1999م إلى 2004م، ووضع إطاراً قانونيًا جديداً من أجل تحرير قطاع الاتصالات، وقام بالترويج له في مختلف المجالات، لتأتي نهاية أحمد نظيف على يد الفيسبوك، وتكنولوجيا الاتصالات!!


-  ظل الرئيس المخلوع مبارك رافضًا وضع نائبًا لرئيس الجمهورية، وكأنه يتشائم من تلك الخطوة، فبعد فترة قصيرة من توليه ذاك المنصب، تم اغتيال الرئيس السابق محمد أنور السادات، ولكنه أقدم على فعلها مجبرأ لتهدئة الثوار أو هكذا كان يظن، ليُخلع بعدها بأقل من أسبوعين!!


 - 2 فبراير ذاك اليوم الذي غرق به ميدان التحرير بدماء الشرفاء، في معركة الجمل التي تشبه معارك وحروب العصور الوسطى، وكانت حصيلتها 11 قيتلا من المتظاهرين وأكثر من 2000 جريح على يد بلطجية النظام، الذي لم يعبئ بأرواح شعبه وحياتهم في مقابل بقاءه على كرسي الحكم!، يوافق تاريخ غرق العبارة سلام 98، التي راح ضحيتها 1310 مصرياً.. وكانت أيضـًا صورة واضحة وجالية من صور عدم مبالاة النظام بحياة أبناء وطنه!!


- 11 فبراير.. يوم التنحي وإسقاط رأس النظام، كان له نصيب الأسد من المفارقات القدرية الغريبة، ففي نفس اليوم كان عزاء الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري خلال حرب أكتوبر 73، والذي تم إقصاءه من كل التكريمات بشكل مجحف لحقه، وكأنه أبى أن يـُدفن قبل أن يرى نهاية نظام مبارك تلوح بالأفق!


* وأيضًا وافق 11 فبراير يوم إسقاط شاه إيران الذي اتسم عصره بالفساد والطغيان حتى أن السافاك -جهاز الأمن الإيراني وقتها- لم يختلف عن جهاز أمن مبارك بمصر، قام بالثورة الإيرانية بعضًا من الليبرالين والعلمانين أملاً بأن تكون إيران ملكية دستورية, واسقطوا الشاه عام 1979م، لتصبح فيما بعد أقوى جمهورية إسلامية بالعالم..!


* ولم تتوقف مفارقات 11 فبراير عند هذا الحد، بل أن هذا اليوم وافق يوم ميلاد الملك فارق، أخر ملوك المملكة المصرية وأخر من حكم مصر من الأسرة العلوية، والذي تم  خلعه على يد الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو 1952م، وقد تفنن الكتاب والمؤرخين بتلك الفترة بتشويه صورته، حتى أن صوره بالأفلام المصرية القديمة تم قشطها وكأنهم يريدون محو أثره للأبد، فأراد القدر أن يكون يوم ميلاد أخر ملوك مصر يوم إسقاط نظام مبــارك أخر رؤساء ثورة 23 يوليو!!


* وكانت أطرف مفارقة من وجهة نظري، هي ورقة التقويم بهذا اليوم، ففي الغالب تكون هناك حكمة مدونة أسفل كل ورقة، فإذ بورقة  يوم الجمعة 11 فبراير 2011م .. 8 ربيع الأول 1432هـ؛ مدون بأسفلها حكمة (من كثر ظلمه واعتداؤه.. قرب هـلاكـه وفناؤه)..!! 
.

-  وبالنظر بعين الاعتبار لشهري يناير/ فبراير 2009م، وبالمقارنة بينهما وبين يناير / فبراير 2011م، نجد أن في كلا العامين كانت المظاهرات والمسيرات تجوب مدن العالم سواء عربية كانت أو غربية... بخصوص مصر!، ففي عام 2009 كانت المظاهرات مناوئة لسياستها بخصوص الحرب على غزة وغلق معبر رفح، ورفعت اللوحات المناهضة لمبارك والساخرة منه، وفي بعض البلدان تم حرق العلم المصري، ولكن بعام 2011 كانت المظاهرات تأيداً لثورة مصر، ورفع العلــم عاليًا شامخـًا بكل بقاع الأرض، ومع ذلك ظلت اللوحات المناهضة والساخرة من مبارك مرفوعة!!


-   يوم 4 مايو 1928م... في هذا التاريخ ولد الرئيس المخلوع مبـارك، وفي نفس الوقت تم إنشاء سجن مرزعة طرة، ليكون مبارك أول رئيسًا مصريًا عربيًا يُصدر حكمـًا ضده بالحبس، والمفارقة أن السجن الذي تم إختياره له هو طرة! ليقضي في المستشفى الخاص به عقوبة المؤبد الصادرة ضده.


-  وأخر تلك المفارقات هي أن دولة الخلافة الإسلامية سقطت في يوم 28 رجب،، ليأتي د. محمد مرسي رئيسـًا إسلاميا لمصر في يوم 28 رجب أيضـًا..!


قد يكون هناك الكثير من تلك المفارقات ولم تلفت نظري، لجهلي بها..، وقد نجد أخرى جديدة تحدث بالفترة القادمة، وربما يسخر منا قدرنا، فقد نجد مثلاً من يظهر علينا من ميدان التحرير وعلى وجهه الغير مألوف ابتسامة بلهاء، ليقول للشعب المصري.. (دي كانت الثورة الخفية، ولو حابب تذيع.. قول ذيع)..!، أخشى ما أخشاه بعدما قطعنا مشواراً طويلاً مؤلماً، نرجع بخفي حنين!، ولهذا أقول لنا جميعا بكل صدق.. عار علينا أن نقبل بدور قطع الشطرنج مرسوم لها طريقها معدود عليها خطواتها حتى وإن خدعونا بلقب الملك!!.

02 يوليو 2012

13- قالــب سكــر،،!



البوست الثالث عشر،،
في حملة التدوين اليومي،، 2012




(قالـب سكــر!)



صباح باهت ككل صباح يمر عليه، هنا بهذا المنزل اعتادت طلته كل الأركان، حتى أن تلك الجدران المطلية بالملل قد سئمت عطره.. حاول أن يغير شيئاً ما، أي شيء... أي شيء!؛ فوضع قالباً من السكر على قهوته السادة؛ لعلها تصيب واقعه بالعدوى؛ فينكسر مر أيامه!..، ورغم أن هذا اليوم هو عطلته الأسبوعية؛ إلا أنه قرر الخروج مبكراً بلا هدف أو غاية أو حتى مقصد! 

  بعدما أنهى هندامه.. نظر بمرآته بعد أن أشعل سيجارته؛ فهؤلاء هن صديقاته اللاتي يملئن فراغ أيامه..، وأمعن النظر بصورته المنعكسة؛ لقد تغيرت هيئته كثيراً عن ذي قبل؛ تناثر على ما تبقى من شعره كماً لا يمكن تجاهله من اللون الأبيض، وأكتسب وجهه بعضاً من التجاعيد؛ فعند طرفي عيونه حُفرت أحزانه، وعلى جانبي فمه سُجلت ضحكاته!، نفث دخان سيجارته بالمرآة، وابتسم ابتسامة بلهاء قائلا لنفسه: "وما الذي يقلقك يا هذا مما جد عليك؟!، فهل بقيَّ من العمر قدر ما فات؟!"، ثم خرج من منزله عابساً كعادته منذ سنوات طويلة!

كانت الشوارع خالية، تغمرها نسمات الصباح الباردة؛ التي تجبر النفس على التفاؤل.. ولكنه أبى أن ينصاع لها؛ فلماذ يتفائل؟!، ما الذي سينتظره بعد ثماني وأربعين عاماً من الوحدة والتوحد بنفس يائسة؟!، أكمل سيره حتى قادته أقدامه لحديقة صغيرة؛ عادة ما يقصدها سكان الحي في الصباح لممارسة رياضة الجري.. دخلها بلا سبب مقنع بالنسبة له، ظل سائر بخطوات مثقلة بأحزانه الدفينة، حاول أن يتذكر أي شيء يبعث بنفسه السعادة، ولكنه أكتشف أن ذاكرته أصبحت رمادية اللون بلا معالم كأيامه!، هَمَّ ليخرج من تلك الحديقة لولا أن لمحها وهي تجري بالجهة المقابلة، فتصنم بمكانه!، لم يتمكن من تمييز ملامحها، ولكن رشاقة خطواتها وجسدها، وأمواج شعرها الغجري المتطاير حولها؛ جعلوه لا يرفع نظره عنها!.. عندما بدأت بالاقتراب منه أمعن النظر بها، لم تكن ملامحها شديدة الجمال.. ولكن بها سحر غامض؛ فعيونها العسلية وشعرها البني الأقرب للون الشوكولاتة الفاتحة، جعلاها قطعة حلوى تتوق النفس لتذوقها!، بشرتها السمراء التي أكتسبت الحمرة بسبب جريها حولت خديها لكأسي من أفخر أنوع النبيذ، فجعلا سحرها أكثر مجوناً وسطوة على كيانه!..

عندما تقابل وجهها بوجه ابتسمت له، وألقت عليه التحية باسمه.. تفاجأ.. ود لو بادلها التحية ولكنه تلعثم؛ كطفل تعلم الهجاء لتوه!، فاتسعت ابتسامتها لضحكة عالية.... اشعلته، فأذابت أكوام الجليد بداخله، هزت أنقاض الإنسان به، وأضاءت مصباحاً بعتمة قلبه، أزالت ذاك اللون الرمادي القميء من حوله، فعادت السماء زرقاء، والورود حمراء وبيضاء، حلقت الطيور من جديد مغردة، حتى الشمس التي غابت منذ سنوات طويلة أشرقت.. وملئت ضياءها الكون دفئاً وصفاء!، ظل كالمراهقين يختلس النظر لها كلما اقتربت منه!، وعندما خرجت من الحديقة تتبعها بتوتر شديد؛ كطالب بالثانوية يخشى أن يراه معلمه وهو يراقب زميلته فيعنفه أمامها، أكتشف أنها جارته بنفس البناية، فإزدات سعادته وأنفرجت أساريره!

أصبحت عادته اليومية الذهاب لتلك الحديقة مبكراً، بعد أن يرتشف فنجاناً من القهوة المُحلى بقالب من السكر، يشاهدها وهي تجري.. ثم يتجاذبان طرفي حديث قصير ولكنه يطول مع الصباحات المتتالية، أسابيع كثيرة مرت، يراها كل يوم، يحدثها، يحلم بها، تُحلي أيامه كل يوم، ويخاف من أن يفقدها كل لحظة!.. حاول مراراً أن يفاتحها بمشاعره تجاهها، ولكنه يتلعثم كتلعثمه الأول.. فيصمت ويبتلع كلماته قبل أن يبوح بها!... كثيراً ما كان يحدث نفسه ليلاً؛ متسائلاً.. ما المشكلة أن يتزوج وهو على أعتاب الخمسين؟!، أليس من حقه أن يعيش ما تبقى من عمره في سعادة وراحة؟!، ثم إنه لم يختر فتاة صغيرة بل وقع بحب سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها!، ثم يعود ليسأل نفسه بخوف.. ماذا لو رفضت هي هذا الحب؟!، مؤكد سيفقدها للأبد.. يرتعد من فكرة فقدانها!، فيؤجل.. ويؤجل.. ويؤجل..، حتى لا يذيب بسرعة أروع قالب سكر قتل مرارة أيامه!

مرت صباحات كثيرة أخرى، ولكنه لم يعد يطيق مرارة الليل وحده، حتى وإن كان الصباح مُحلى بها، قرر أن يفاتحها بحبه لها بالصباح التالي، لم ينم ونزل مبكراً جداً، ظل ينتظرها طويلاً، ولكنها لم تأتِ، بدأ قلبه بالانقباض، وبدأت الألوان بتلاشي من حوله، ولكن سرعان ما عاد كل شيء كما كان؛ بمجرد أن دخلت الحديقة، تلفتت حولها باحثة عنه.. حتى وقع نظرها عليه فابتسمت له!، لم تكن بملابسها الرياضية ككل يوم، تحدثت معه على عجلة من أمرها، معللة انصرافها بسرعة لكثرة انشغالها هذه الأيام، ثم أخرجت من حقيبتها دعوة زفافها، وابتسم ابتسامة بلهاء عندما قالت له إنه أول المدعوين!، ثم خرجت من الحديقة.. ومن وراءها الألوان والطيور والورود.. والشمس والحيــاة!، عاد لمنزله بخطوات مثقلة، يبحث بنهم عن صديقات وحدته ليرتشف في حضرتهن فنجاناً من القهوة السادة، ويحاول عبثاُ أن يشاهد العالم الرمادي من حوله، من تحت أنقاض الإنسان بداخله..!!.




01 يوليو 2012

12- رؤية هـلال،،!


البوست الثاني عشر،،
في حملة التدوين اليومي،، 2012

 

(
رؤية هـلال)


دعك من همساتهم،، ولا تهتم
فمن لم يشاهد الهلال اليوم،، سيرتاب الغد
وبعد الغد سيصوم مجبــراً،،
لا تشرح لهم،،
لا تثبت لهم،،
فالعيـد آت لا محـاله،، وإن كَذَبـُوا
وسنفرح بعيدنا معـًا،، قبلـهم!