تعودت مسامعي منذ الصغر على تلك الجملة؛ (حتى وإن ثار أبو الهول لن يثور شعب مصر)، ولكننا ثورنا وثاروا هم بإتجاه المضاد.. خرج المارد في أتجاهين مختلفين؛ لكلاً منهما أهدافه.. ثورة شعب كانت مستحيلة فأصبح ذاك الشعب بين رحايا ثورتين، لا شك إننا أبهرنا العالم كله بثورتنا البيضاء، ثم أبهرنا أنفسنا بالثورة المضادة والإنقسامات... على أي حال مازلت تلك الثورات مستمرة.
وإن أردنا أن نصنف ثورتنا، لن نجد
لها تصنيفـًا يلائمها كليـًا، فهي الحزينة الضاحكة، السلمية الدامية، المتوقعة المستحيلة
والمرتبة العفوية!!!، إذاً فهي الثورة الطريفة بين ثورات التاريخ أجمع، ولم تكن طرافتها
بتصنيفها فقط، بل أيضـًا بكم ما حققته من مفارقات قدرية تستحق الوقف عندها!، ولكن نصيحة؛
لا تكلف نفسك عناء فهم مغزاها، فكلها جاءت وكأنها رسائل أو هدايا من القدر لأناس بعينهم!
-فإن بدأنا المفارقات بيوم 25 يناير، يوم عيد
الشرطة المصرية... تلك التي كانت أحد أهم أسباب الثورة، فمعاملة بعض -أو غالبية- عناصر
الأمن للشعب المصري جعلته يكره الداخلية ككل، فتأتي الثورة في نفس اليوم، لتمحي من
تاريخ مصر شيئاً ما يدعى عيد الشرطة، وتهز تلك الهيبة المزعومة! فحتى إن لم يُلغى الاحتفال
من قبل المسئولين؛ لن يكون له وجود بين احتفالات الثورة المصرية!
- يوم 27 يناير، هذا اليوم يوافق
عيد ميلاد خالد سعيد شهيد الطوارئ، الذي كان شرارة مبكرة للثورة عندما قـُتل من قبل
بعض أفراد أمن الأسكندرية بيوم 6 يونيه 2010م، فعلّم الشباب المصري معنى الوقفات الإحتجاجية
السلمية الصامتة، بعد أن قام أحد المصريين بعمل صفحة خاصة له على الفيسبوك، وظل أدمن
تلك الصفحة مجهولاً للجميع، حتى يأتي يوم 27 يناير 2011م.. حيث تم القبض على وائل غنيم؛
فعندها فقط يعرف الجميع من هو منشئ صفحة كلنا خالد سعيد، في ذكرى عيد ميلاده!
- قامت ثورة تكنولوجيا المعلومات
والاتصالات على يد رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف، بعد توليه منصب وزيراً للاتصالات
وتكنولوجيا المعلومات خـلال الفترة من 1999م إلى 2004م، ووضع إطاراً قانونيًا جديداً
من أجل تحرير قطاع الاتصالات، وقام بالترويج له في مختلف المجالات، لتأتي نهاية أحمد
نظيف على يد الفيسبوك، وتكنولوجيا الاتصالات!!
- ظل الرئيس المخلوع مبارك رافضًا
وضع نائبًا لرئيس الجمهورية، وكأنه يتشائم من تلك الخطوة، فبعد فترة قصيرة من توليه
ذاك المنصب، تم اغتيال الرئيس السابق محمد أنور السادات، ولكنه أقدم على فعلها مجبرأ
لتهدئة الثوار أو هكذا كان يظن، ليُخلع بعدها بأقل من أسبوعين!!
- 2 فبراير ذاك اليوم الذي غرق به ميدان التحرير
بدماء الشرفاء، في معركة الجمل التي تشبه معارك وحروب العصور الوسطى، وكانت حصيلتها
11 قيتلا من المتظاهرين وأكثر من 2000 جريح على يد بلطجية النظام، الذي لم
يعبئ بأرواح شعبه وحياتهم في مقابل بقاءه على كرسي الحكم!، يوافق تاريخ غرق العبارة
سلام 98، التي راح ضحيتها 1310 مصرياً.. وكانت أيضـًا صورة واضحة وجالية من صور عدم
مبالاة النظام بحياة أبناء وطنه!!
- 11 فبراير..
يوم التنحي وإسقاط رأس النظام، كان له نصيب الأسد من المفارقات القدرية الغريبة، ففي
نفس اليوم كان عزاء الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري خلال حرب أكتوبر
73، والذي تم إقصاءه من كل التكريمات بشكل مجحف لحقه، وكأنه أبى أن يـُدفن قبل أن يرى
نهاية نظام مبارك تلوح بالأفق!
* وأيضًا وافق 11 فبراير يوم إسقاط
شاه إيران الذي اتسم عصره بالفساد والطغيان حتى أن السافاك -جهاز الأمن الإيراني وقتها-
لم يختلف عن جهاز أمن مبارك بمصر، قام بالثورة الإيرانية بعضًا من الليبرالين والعلمانين
أملاً بأن تكون إيران ملكية دستورية, واسقطوا الشاه عام 1979م، لتصبح فيما بعد أقوى
جمهورية إسلامية بالعالم..!
* ولم تتوقف مفارقات 11 فبراير
عند هذا الحد، بل أن هذا اليوم وافق يوم ميلاد الملك فارق، أخر ملوك المملكة المصرية
وأخر من حكم مصر من الأسرة العلوية، والذي تم
خلعه على يد الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو 1952م، وقد تفنن الكتاب والمؤرخين
بتلك الفترة بتشويه صورته، حتى أن صوره بالأفلام المصرية القديمة تم قشطها وكأنهم يريدون
محو أثره للأبد، فأراد القدر أن يكون يوم ميلاد أخر ملوك مصر يوم إسقاط نظام مبــارك
أخر رؤساء ثورة 23 يوليو!!
* وكانت أطرف مفارقة من وجهة نظري،
هي ورقة التقويم بهذا اليوم، ففي الغالب تكون هناك حكمة مدونة أسفل كل ورقة،
فإذ بورقة يوم الجمعة 11 فبراير 2011م ..
8 ربيع الأول 1432هـ؛ مدون بأسفلها حكمة (من كثر ظلمه واعتداؤه.. قرب هـلاكـه وفناؤه)..!!
.
- وبالنظر بعين الاعتبار لشهري يناير/
فبراير 2009م، وبالمقارنة بينهما وبين يناير / فبراير 2011م، نجد أن في كلا العامين
كانت المظاهرات والمسيرات تجوب مدن العالم سواء عربية كانت أو غربية... بخصوص مصر!،
ففي عام 2009 كانت المظاهرات مناوئة لسياستها بخصوص الحرب على غزة وغلق معبر رفح، ورفعت
اللوحات المناهضة لمبارك والساخرة منه، وفي بعض البلدان تم حرق العلم المصري، ولكن
بعام 2011 كانت المظاهرات تأيداً لثورة مصر، ورفع العلــم عاليًا شامخـًا بكل بقاع
الأرض، ومع ذلك ظلت اللوحات المناهضة والساخرة من مبارك مرفوعة!!
- يوم 4 مايو 1928م... في هذا التاريخ ولد الرئيس المخلوع مبـارك، وفي نفس
الوقت تم إنشاء سجن مرزعة طرة، ليكون مبارك أول رئيسًا مصريًا عربيًا يُصدر حكمـًا ضده بالحبس، والمفارقة أن السجن الذي تم إختياره له هو طرة! ليقضي في المستشفى
الخاص به عقوبة المؤبد الصادرة ضده.
- وأخر تلك المفارقات هي أن دولة الخلافة الإسلامية
سقطت في يوم 28 رجب،، ليأتي د. محمد مرسي رئيسـًا إسلاميا لمصر في يوم 28 رجب أيضـًا..!
قد يكون هناك الكثير من تلك المفارقات
ولم تلفت نظري، لجهلي بها..، وقد نجد أخرى جديدة تحدث بالفترة القادمة، وربما يسخر
منا قدرنا، فقد نجد مثلاً من يظهر علينا من ميدان التحرير وعلى وجهه الغير مألوف ابتسامة
بلهاء، ليقول للشعب المصري.. (دي كانت الثورة الخفية، ولو حابب تذيع.. قول ذيع)..!،
أخشى ما أخشاه بعدما قطعنا مشواراً طويلاً مؤلماً، نرجع بخفي حنين!، ولهذا أقول لنا جميعا بكل صدق.. عار علينا أن نقبل بدور قطع الشطرنج مرسوم لها طريقها معدود عليها خطواتها
حتى وإن خدعونا بلقب الملك!!.